إيطاليا تواجه معضلة “القوة المتوسطة”

September 16, 2024

انضمت حاملة الطائرات الإيطالية “أي تي إس كافور”، مؤخرا، إلى فرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة في تدريب “بيتش بلاك 24”. ويهدف هذا التدريب عالي القدرة إلى تعزيز التوافق التشغيلي مع الحلفاء الدوليين.

وعقب التدريب، سوف تتوجه المجموعة الضاربة لحاملة الطائرات إلى جويام واليابان، ثم بعد ذلك سوف تعبر للمرة الأولى بحر الصين الجنوبي في طريقها إلى الفلبين.

ويرى المحللان لورينزو تيرمين وجابرييل ناتاليزيا أن هذا يأتي في الوقت الذي وافق فيه البرلمان الإيطالي على أربعين عملية عسكرية لعام 2024؛ بما في ذك مهام جديدة لإيطاليا في البحر الأبيض المتوسط الموسع، ومهمة بحرية بقيادة الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر (أسبيدس)، ومهمة إنسانية في فلسطين (ليفانتي).

وقال المحلل تيرمين، وهو زميل زائر في مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي وأستاذ مساعد في كل من جامعة الدراسات الدولية في روما والجامعة الأمريكية في روما، والمحلل ناتاليزيا، وهو زميل زائر في مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي وهو أيضا أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة سابينزا في روما، إن إيطاليا تبرز بوصفها أكبر مساهم في العمليات العسكرية للأمم المتحدة وثاني أكبر مساهم في مهام حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي.

وأضاف المحللان، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست (The National Interest) الأمريكية، أن هذه التحركات تعكس توسيعا ذا مسارين للسياسة الخارجية بدأ إبان حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجي ( 2021-2022) وقامت إدارة رئيسة الوزراء الحالية جورجا ميلوني بتسريع وتيرتها. واتسعت دائرة السياسة الخارجية الإيطالية إلى وراء محيطها التقليدي الأطلسي والأوروبي والبحر الأبيض المتوسط.

أولا: تقوم إيطاليا بتمديد مفهوم البحر الأبيض المتوسط الموسع، حيث توسع نطاق بسط نفوذها من منطقة الساحل الإفريقي إلى البحر الأسود، بما في ذلك منطقة القرن الإفريقي وبحر العرب. وهنا، تهدف إيطاليا إلى تقوية الدول الهشة العرضة ليس فقط للجريمة والإرهاب؛ ولكن أيضا إلى محاولات فرض النفوذ عليها من جانب الصين وروسيا.

واستخدمت هذه القوى المساعدات الاقتصادية والدعم العسكري ليس فقط لاستخراج الموارد؛ ولكن أيضا لممارسة السيطرة على أوروبا، من خلال النقاط الاستراتيجية والموارد وطرق الهجرة.

وللتصدي لذلك، من بين أهداف أخرى، أطلقت إيطاليا خطة ماتي، وهي مشروع إستراتيجي على المستوى الجيوسياسي. واستطاعت إيطاليا تأمين تأييد دول إفريقية عديدة في قمة إيطاليا -إفريقيا (التي عقدت يومي 28 و29 يناير الماضي)، إضافة إلى مباركة مجموعة السبع في قمة بورجو إيجنازيا (13-15 يونيو الماضي).

وتستهدف الخطة إطلاق مشاريع تجريبية في تسع دول مهمة؛ وهى: الجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج ومصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب وموزمبيق وتونس.

ثانيا: تبرز مشاركة إيطاليا في تدريب “بيتش بلاك 24” انخراطها المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سيرا على خطى قوى أوروبية مماثلة أخرى.

وانضمت إيطاليا إلى برنامج القتال الجوي العالمي مع اليابان والمملكة المتحدة. ولم تجدد بعد مذكرة التفاهم مع الصين، ووقعت مذكرة شراكة استراتيجية مع اليابان وعززت العلاقات مع الهند. وتكثف أيضا وجودها العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ مما يؤكد التزامها بحرية عمليات الملاحة، رغم عدم انضمامها إلى مبادرات من هذا القبيل تقودها الولايات المتحدة.

ويتضح هذا التحول في نهج إيطاليا من خلال نشر السفينة فرانشيسكو موروسيني من فئة ثون دي ريفيل التابعة للبحرية الإيطالية لمدة ستة أشهر في عام 2023، وما أعقبه من نشر مجموعة حاملة الطائرات كافور لمدة خمسة أشهر وجولة بحرية مماثلة لسفينة الدورية قبالة السواحل مونتي كوكولي.

وتابع المحللان أنه رغم هذا الجهد المتنامي، لم تقم إيطاليا، حتى الآن، بصياغة استراتيجية أمنية وطنية تحدد مصالحها وأهدافها ومواردها والتهديدات التي تتعرض لها وقدراتها الدفاعية. ونظرا لأن إيطاليا هي الدولة الوحيدة في مجموعة الدول الصناعية السبع التي ليس لديها مثل هذه الاستراتيجية، فإنه ربما يتم الضغط عليها لوضع استراتيجية في القريب العاجل إذا كانت الإشارات الحديثة من مؤسسات عالية المستوى لها دلالتها.

وسوف يتطلب تبني استراتيجية أمنية وطنية أن تقوم روما بشكل واضح بتحديد تصرفاتها وإدارة القيود التي تواجهها. وهذا الأمر مهم نظرا لأن وضع إيطاليا كقوة متوسطة ينطوي على أمرين رئيسيين. ووفقا للوضع، يمكن تعريف أية قوة متوسطة حسب قدرتها. وعلى هذا الأساس، يتعين على إيطاليا أن تركز سياستها الخارجية في المقام الأول على “البحر الأبيض المتوسط الموسع”.

ويساعد هذا النهج على تجنب كل من خطر توسيع نطاق الالتزامات مع موارد محدودة، والتحدي المتمثل في تبرير التعرض المتزايد للمخاطر في منطقة مثل المحيطين الهندي والهادئ للجمهور المحلي الذي يقاوم غالبا أي إنفاق دفاعي مرتفع بدرجة كبيرة.

ونظرا لأن القوى المتوسطة يمكنها أن تدافع عن مصالحها في الغالب في نطاق مناطقها، تتعرض إيطاليا لضغوط للتركيز على البحر الأبيض المتوسط الموسع وتجنب توسيع نطاق الالتزامات. وهذا أيضا أمر مهم لأن الجمهور الإيطالي لديه شكوك قوية في عمليات النشر العسكرية الخارجية.

ومع ذلك تكون القوى المتوسطة عرضة بشكل خطير للمؤثرات الخارجية للمنافسة بين القوى الكبرى. وعندما تتصاعد المواجهة بين الدول الأقوى، يتم دفع القوى المتوسطة للتحالف مع حليفها الأقوى؛ لأن حرية المناورة تتضاءل.

وكنتيجة لذلك، تبدى روما، الآن، مزيدا من الاهتمام بدعوات واشنطن لانخراط أوروبي أقوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن المفترض أن تفيد هذه الخطوة العلاقات مع واشنطن، لأن روما يمكنها التأثير على الالتزام المتزايد في آسيا لكي يبقى الأمريكيون ملتزمين بالأمن الأورو متوسطي على الأقل لمدى معقول.

وتواجه إيطاليا معضلة القوة المتوسطة. فمن ناحية، يعد البحر المتوسط برميل بارود، يحث روما على تركيز الموارد على استقرارها. ومن جهة أخرى، سوف توجه الولايات المتحدة تركيزها على نحو متزايد صوب منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتسحب بعض الحلفاء معها.

وفي هذا الإطار، قد تؤدي صياغة استراتيجية أمنية وطنية إلى تعزيز الموقف الإيطالي، بصفة خاصة إذا تضمنت نظرة عالمية وعززت تنسيقا تنفيذيا أكبر أيضا.

ولكن قد تقيد أيضا مرونة السياسة الخارجية؛ لأن الاستراتيجية تحدد الالتزامات على الورق. وبدلا من ذلك، فإن عدم تبني استراتيجية يمكن أن يكون خيارا استراتيجيا للاحتفاظ بحرية أكبر في المناورة والقدرة على التكيف.

واختتم المحللان تقريرها بالقول: إنه للأسف، ربما تحد هذه الاستراتيجية أيضا من دور مستقبلي لإيطاليا على الساحة الدولية لسبيين: الأول هو أن واشنطن وبعض الحلفاء قد يشعرون بأن روما لا تواكب توازن القوى المتغير. ثانيا، قد لا يصل تنسيق تنفيذ وطني إلى مستوى التوقعات، وبصفة خاصة على ضوء المنافسة المتنامية بين القوى الكبرى.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *