مع بداية كل موسم دراسي يعود إلى الواجهة النقاشُ حول الاختيارات التي أقدمت عليها الدولة فيما يتعلق بلغات التدريس سواء بالسلك الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي، وذلك بعدما تم في وقت سابق اعتماد اللغة الفرنسية لغة لتدريس المواد العلمية بمختلف مراحل التدريس، ما عدى المرحلة الابتدائية التي تم الحفاظ فيها على خيار التناوب اللغوي بين الفرنسية والعربية.
وإذا كان مناهضو “فرنسة التعليم” يرفضون في الأساس مقاربة وزارة التربية الوطنية في هذا الصدد، فإنهم يطرحون ضرورة فتح باب الاختيار أمام جميع المتمدرسين من أجل التعبير عن رغباتهم بخصوص لغة التدريس بعيدا عن التوجه نحو “إجبارهم” على تلقي المعارف العلمية باللغة الفرنسية، في الوقت الذي خطت فيه الدولة خطوات في هذا الخصوص منذ المصادقة على القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين.
وقال “تكتل الأساتذة والطلبة الرافضين لفرنسة التعليم”، في بيان له، إن “إجبار التلاميذ على الدراسة باللغة الفرنسية يعتبر مصادرة لحق أصيل من حقوق الإنسان، هو حق الاختيار”، مؤكدا مطالبته بـ”فتح وحدات باللغة العربية على مستوى الجامعات كذلك”.
في المقابل، اعتبر تيار آخر أن “الإشكال المطروح حاليا ليس موجودا بالإعدادي والثانوي والمرحلة الجامعية، بل هو مطروح وبقوة على مستوى المرحلة الابتدائية التي ما تزال تعتمد على التناوب اللغوي مقابل اعتماد مختلف المستويات الأخرى على اللغة الفرنسية لغة للدراسة”، موردا أن “الدولة يجب أن تسير في النهج ذاته لفائدة تلاميذ الابتدائي لكي يكون لدينا مسار موحد بمختلف الأسلاك وبمختلف المدارس سواء العمومية أو الخصوصية”.
ونص القانون الإطار سالف الذكر على مبدأ التناوب اللغوي كمقاربة بيداغوجية وخيار تربوي متدرج يستثمر في التعليم متعدد اللغات إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة عبر تدريس بعض المواد، لا سيما العلمية والتقنية، أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية.
نعم للتناوب اللغوي
بخصوص هذا الموضوع، قال يوسف بن العيساوي، المنسق الوطني لتكتل “الأساتذة والطلبة الرافضين لفرنسة التعليم”، إن “مخطط فرنسة التعليم الذي تقوم وزارة التربية الوطنية اليوم بتنزيله مرفوض، لكونه ينطوي في نهاية المطاف على إقصاء لغوي للغة العربية، حيث يخالف التنصيص الدستوري على اللغات الرسمية”، مؤكدا ضرورة “الاعتماد على مبدأ التناوب اللغوي في مختلف المراحل التعليمية”.
وأضاف بن العيساوي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا المشروع المعتمد حاليا يقصي اللغة العربية من التواجد على مستوى حقل تدريس المواد العلمية، سواء في المرحلة الإعدادية أو الثانوية أو التأهيلية”، وقال: “مطلبنا الرئيسي هو التراجع عن لغة التدريس الموحدة بهذه المراحل التعليمية والمرور نحو خيار التناوب اللغوي بهذه المراحل كذلك، ولم لا خلق شعب بالعربية فيما يخص التخصصات العلمية بالجامعات”.
وكشف المتحدث أن “التلميذ من حقه أن يختار بأي لغة يتلقى معارفه العلمية، العربية أم الفرنسية، عوضا عن إجباره على أخذها بهذه الأخيرة، فاليوم نريد المرور من مرحلة الإجبار إلى مرحلة الاختيار على الرغم من أن الجانب القانوني قد حسم في هذا الموضوع، والصيغة التي أتى بها نرفضها لكونها تنطوي على إقصاء لغوي”.
من أجل توحيد لغة التدريس
في المقابل، قال عبد الله بادو، مفتش تربوي، إن “الدولة حسمت مع لغة تدريس المواد العلمية بالتعليم الإعدادي والثانوي والجامعي، في حين إنها حافظت على التناوب اللغوي في التعليم الابتدائي، إذ تتم الاستعانة باللغة العربية ونسبة معينة من الفرنسية في تدريس هذه المواد، وهو دائما ما يجعل التلاميذ أمام مرحلة انتقال عند وصولهم إلى الإعدادي”.
وأضاف بادو، في تصريح لهسبريس، أنه “مبدئيا، يجب الحسم مع لغة تدريس المواد العلمية في السلك الابتدائي كذلك، بعدما تم الحسم معه في المرحلة الإعدادية والثانوية وكذلك الجامعية منذ وقت كبير؛ فتوحيد اللغة مهم جدا لتجنب العوائق اللغوية التي تمهد لعوائق معرفية”، موردا أن “المدارس الابتدائية الخاصة تعتمد اللغة الفرنسية في تدريس المواد العلمية، مما يجعل دائما مستوى تلاميذها في هذه اللغة أفضل من مستوى المتخرجين من المدارس العمومية”.
ولفت المتحدث إلى أن “التناوب اللغوي في الوقت الراهن على مستوى المدارس الابتدائية يعرف عددا من المعيقات، بما فيها الخصاص المسجل على مستوى أطر المواد العلمية وقلة منسوب الاعتماد على الفرنسية، ما يجعل التلاميذ غير مدركين بشكل جيد لما ينتظرهم من مجهودات في السلكين الإعدادي والثانوي؛ فالأمر ينطوي على عدم ضمان تكافؤ الفرص دائما بين تلاميذ العمومي والخصوصي، لتبعات ذلك على الاختيارات الجامعية والولوج إلى المدارس العليا لدى هؤلاء التلاميذ”.
وأكد بادو أن “الدولة عليها أن تمر نحو الحسم مع مسألة التناوب اللغوي على مستوى السلك الابتدائي، ما دام أنها حسمت معه في الأسلاك الأخرى وما دام أنها لم تقم بالاستثمار كما يجب في اللغة العربية واللغة الأمازيغية كذلك لتصيرا لغتين للعلوم كذلك كما هو الحال بالنسبة للفرنسية أو الإنجليزية، إذ اتضح أن الدولة ترى أن الفرنسية هي الخيار الأقل كلفة، وهو ما يجب أن تسير عليه بالنسبة للتعليم الابتدائي”.