تنضم سناء في غالبية الأصباح بعد أداء الصلاة إلى عدد من النساء من حيها في العاصمة الأفغانية كابول للتنزه على طول الطريق الرئيسي قبل أن يمتلئ بالعابرين، ولا يمارسن رياضة الركض أو يقتربن كثيرا من نقاط تفتيش طالبان العديدة.
تزاول السيدات التمارين سرا ليس بهدف التنافس، بل طلبا لراحة وسكينة في ظل منع حكومة الحركة الإسلامية النساء من ممارسة الرياضة.
تقول سناء (25 عاما) التي تستخدم اسما مستعارا خوفا من الملاحقة كغيرها من السيدات اللائي قابلتهن وكالة فرانس برس: “لا يمكننا الاقتراب من نقطة تفتيش طالبان؛ لأن العناصر يسألون لماذا أنت خارج المنزل في وقت مبكر؟ إلى أين تذهبين؟ ما حاجتك إلى ممارسة الرياضة؟ لست مضطرة لذلك”.
منذ عودتها إلى السلطة في غشت 2021، تطبّق الحركة تفسيرها المتشدد للشريعة، وخصوصا القيود على النساء، بينما تندّد الأمم المتحدة بسياسات تكرّس التمييز و”الفصل القائم على النوع الاجتماعي”.
وأغلقت سلطات الحركة الثانويات ثم الجامعات أمام النساء، وكذلك المتنزّهات وصالات الرياضة والحمامات.
وكانت النوادي الرياضية توفر سابقا فترات زمنية للنساء. ولا تزال نواد مخصصة للسيدات حصرا قائمة بصورة غير رسمية، إلا أنها نادرة وغير بارزة.
وكانت سناء ورفيقة لها تدعى لطيفة تتجولان في المتنزّهات الكبيرة المليئة بالأشجار في المدينة. في المرة الأخيرة، ذهبت لطيفة إلى الحديقة القريبة من منزلها بعد قرار إغلاقها بشكل دائم أمام النساء، وتقول إنه تمّ إخراجها منها بالقوة.
تذرف لطيفة الدموع وهي تتذكر الحادث.
وتوضح: “طلب مني الطبيب أن أمارس المزيد من التمارين الرياضية لأنني أعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول والكبد الدهني، لكن طالبان لا تسمح لنا بممارسة الرياضة أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو المشي (بحرية) في الخارج”.
تحلم سناء بأن تصبح معلمة يوغا وترشد النسوة برفقتها من خلال بعض التمارين الهوائية الخفيفة والتأمل بعد المشي.
ملاكمة بالسر
بعدما أرغمن على الابتعاد عن صالة الألعاب الرياضية، تقوم ريان وعدد من زميلاتها الملاكمات بزيارة منزل صديقة، ويستخدمن القليل المتوفر لهن من تجهيزات للتدرب في مجتمع كان لا يحبّذ من الأساس ممارسة النساء الرياضة.
وتؤكد الشابة البالغة 19 عاما: “نتدرب بشكل أقل، لكن لم نتوقف أبدا”.
تشاهد ريان على هاتفها مقطعا مصوّرا تظهر فيه وهي تدرّب قبضتيها على اللكمات والخطافات، ما يذكّرها بالملاكِمة المتحمسة التي كانت عليها.
تقول بهار التي تزاول الملاكمة معها، وهي تخلع حجابها في حديقة خاصة بسبب الحرارة في كابول، إن هذه القيود تركتها والأفغانيات الأخريات متوترات ومنهكات ومعنوياتهن منخفضة.
وتضيف الشابة البالغة 20 عاما، والتي لا يعرف زوجها أنها لا تزال تزاول الرياضة: “عندما نمارس الملاكمة، فإن ذلك ينسينا كل ذلك للحظة”.
وتتابع: “حتى لو تدرّبنا لبضع دقائق فقط، فإن ذلك يحدث فرقا كبيرا”.
فرّت العديد من الرياضيات من أفغانستان بعد عودة طالبان إلى الحكم. وتنافس العديد منهن على الساحة الدولية، بما في ذلك في الألعاب الأولمبية التي استضافتها باريس هذا الصيف. لكنهن يأتين من خارج البلاد.
ولا تعترف أي دولة بحكومة طالبان.
وقال أتال ماشواني، المتحدث باسم مديرية الرياضة في حكومة طالبان: “في أفغانستان، تم إيقاف الرياضة النسائية. عندما لا تمارس الرياضة النسائية، فكيف يمكنهن الانضمام إلى المنتخب الوطني؟”.
وأعربت بانافشا، التي تحمل الحزام الأسود في فنون “ووشو” الصينية للدفاع عن النفس، عن مشاعر مختلطة بشأن مشاركة الأفغانيات في الأولمبياد.
وضمّت البعثة الأفغانية في باريس ثلاثة رجال وثلاث نساء، بينما شاركت أفغانيات تحت راية فريق اللاجئين.
وقالت بانافشا: “يسعدني أن النساء لم يستسلمن بعد، إنهن ملتزمات بأهدافهن (…) لكنني كنت حزينة أيضًا”.
وسألت: “لماذا لا يمكنهن الذهاب إلى الأولمبياد من داخل بلدهن؟”.
تقول بانافشا إنها أحرقت زيّها الرياضي بعدما استولت طالبان على السلطة. وبالكاد تستطيع مغادرة المنزل في هذه الأيام، وتكافح لتحفيز نفسها على التدرّب رغم “اليأس والحزن”.
من جانبها، ترى حسينة حسين زاده، التي تعمل في منظمة “فري تو ران” (Free to run) التي تركز على تمكين النساء عبر الرياضة، أنه على الرغم من وجود مجموعة من مقاطع الفيديو والدروس التدريبية عبر الإنترنت، إلا أنها لا تحلّ محل التدريب الشخصي أو التواجد صمن فريق أو ممارسة الرياضة في الهواء الطلق.
وفرت حسين زاده (28 عاما) إلى كندا بعد سيطرة طالبان على الحكم.
تعمل الشابة منذ عام 2018 مع المنظمة غير الربحية التي لا تزال تدعم النساء في أفغانستان لممارسة التمارين الرياضية في الأماكن المغلقة، وإن كان ذلك يتم “بحذر وسرية”.
تضيف: “لا داعي للتفكير في طالبان والقواعد (…) فقط انظرن إلى الأمر كما لو كانت حقبة كوفيد عندما كان الجميع يمارسون تمارينهم في المنزل”.
وتشير: “نحن نحاول تغيير عقليتهن، ونحاول منحهن الأمل”.