استنفر المغرب مصالحه الأمنية بالمناطق الشمالية طيلة الأيام الماضية بغرض التصدي لنداءات ومنشورات بمواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى “اقتحام جماعي” للجيب المغربي المحتل سبتة، الأحد، وهو ما تجسد في حملات تمشيطية بسواحل الفنيدق وعلى مستوى محطات القطارات والحافلات وسيارات الأجرة وبمداخل المدن الشمالية ككل، متمكنا بذلك من إيقاف عدد مهم من الساعين للهجرة السرية، من ضمنهم قصار، وإعادتهم إلى مدنهم الأصلية.
وبقدر ما يثمن مراقبون هذه العمليات الأمنية الاستباقية الكفيلة بإجهاض أي محاولة جماعية للهجرة غير المشروعة، بقدر ما يعتبرون أن “هذه العمليات تحمل رسائل وأجوبة صريحة لمختلف الأطراف الخارجية التي تُروج لكون المملكة تلجأ إلى استخدام معطى الهجرة الجماعية كورقة ضغط على إسبانيا والقارة الأوروبية ككل”.
وتتشبث بعض التشكيلات السياسية الإسبانية، بما فيها اليمينية، بهذا الطرح، محاولة الترويج له على نطاق واسع، خصوصا حزب فوكس الذي يعيد بين الفينة والأخرى اتهام المغرب بـ”توظيفه المهاجرين من أجل الضغط على إسبانيا لانتزاع مكاسب سياسية” حسب تعبيره، وهو ما يتم تكراره بشكل دوري في كل استحقاقات انتخابية.
وقال خبراء في الشؤون الاستراتيجية وأمور الهجرة إن “التعامل المغربي الاستباقي مع حملات رقمية تحرض على الهجرة ينطوي على جدية في تسيير هذا الملف ومنع أي تصعيد، ويمثل جوابا لمتهمي المغرب باستمرار بتعامله مع المهاجرين كورقة ضغط”، معتبرين أن “إدارة هذا الملف في شموليته تحتاج إلى تعاون سياسي وأمني مشترك بين المغرب وباقي الأطراف الدولية المعنية”.
“جواب على ادعاءات”
هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، أكد أن الإنزال الأمني الاستثنائي الذي شهدته مدينتا الفنيدق ومارتيل، “لا يعكس فقط مدى جدية السلطات المغربية في التعامل مع ملف الهجرة غير النظامية، بل ينفي بوضوح الادعاءات التي تروج لها بعض الأطراف السياسية في إسبانيا، التي تتهم المغرب باستخدام ورقة الهجرة كأداة للضغط السياسي على مدريد؛ فالتحرك السريع والشامل الذي اتخذته الرباط يظهر التزامها الكامل بمسؤولياتها الوطنية في حماية الحدود ومنع أي تصعيد قد يؤثر سلبًا على العلاقات مع إسبانيا”.
وأضاف معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الإنزال الأمني يعكس صورة مغايرة تمامًا لما تحاول تلك الأطراف تصويره. فالرباط تتصرف بحزم وفاعلية لمنع أي محاولات جماعية للهجرة غير النظامية، مما يبرز دورها كدولة مسؤولة تحترم التزاماتها تجاه جيرانها الأوروبيين، وعلى رأسهم إسبانيا”، معتبرا أن “المغرب، بدلًا من استخدام ملف الهجرة كورقة ضغط، يسعى باستمرار إلى مواجهة التحديات المرتبطة بهذا الملف بالتعاون مع الأطراف الدولية المعنية، مما ينفي بشكل قاطع تلك الادعاءات غير المبررة”.
“إذا كانت بعض الأطراف في إسبانيا تحاول استغلال ملف الهجرة لتشويه صورة المغرب، فإن التحركات الأمنية المكثفة التي شهدتها المناطق الشمالية تُفند هذه المزاعم وتُظهر أن المغرب ملتزم بمواجهة هذه الظاهرة بأسلوب عقلاني ومسؤول”، يردف المتحدث ذاته، كاشفا أن “الرباط أظهرت من خلال هذا الإجراء أنها تعمل بتنسيق كامل مع مدريد لضبط الحدود ومنع أي تدفق غير قانوني للمهاجرين نحو سبتة. هذا التعاون يبرهن على التزام المغرب بتعزيز شراكته مع إسبانيا، وهي شراكة تستند إلى أساس قوي من التعاون الأمني والمخابراتي الذي يهدف إلى مواجهة التحديات المشتركة”.
كما بيّن معتضد أن التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا “يتجاوز الملفات الأمنية التقليدية ليشمل أبعادًا أخرى تتعلق بالتنمية والاستقرار، في وقت أثبتت فيه الرباط أنها شريك مسؤول ومدرك لأهمية الحفاظ على استقرار العلاقات الثنائية، وفي هذا الإطار تأتي الإجراءات الأمنية الأخيرة كجزء من استراتيجية شاملة لتعزيز الثقة المتبادلة بين الجانبين، خاصة في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة غير النظامية”.
وخلص الباحث في الشؤون الاستراتيجية إلى أن “هذا الإنزال الأمني يمثل خطوة إضافية في تعزيز العلاقات المغربية-الإسبانية، حيث يعكس التزام المغرب بدوره كشريك استراتيجي لإسبانيا في مجال الأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية، كما يؤكد أن الرباط تحترم التزاماتها الثنائية وتعمل على بناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة والتفاهم المتبادل، مما يجعلها لاعبًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي”.
لا محيد عن التعاون المشترك
عبد الحميد جمور، باحث في الهجرة والتنمية جنوب-جنوب، أكد من جهته أن “العمل المشترك والتعاون الثنائي هو السبيل الوحيد من أجل تدبير الملف بشكل جدي وعقلاني، بينما يتضح أن تبخيس المجهودات المغربية لتدبير ملف الهجرة غير النظامية من قبل بعض الأحزاب السياسية الإسبانية هو تصريف أزمة هذه الأحزاب خارجيا والعزف على وتر الهجرة من خلال تحجيمها وتحميل المسؤولية للمملكة”.
واعتبر جمور، في تصريح لهسبريس، أن “موضوع الهجرة أضحى من بين الأوراق السياسية والانتخابية التي تحكمها نزوات بعض السياسيين دون استحضار التاريخ والجغرافيا؛ أي الإنسان والمجال. فعلى الاتحاد الأوروبي والأحزاب السياسية الأوروبية استحضار المجهودات المغربية في تدبير ملف الهجرة”.
كما أورد أنه “على المستوى الوطني، عمل المغرب على إطلاق عملية تسوية أوضاع المهاجرين، خصوصا القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتنزيل برامج السياسة الوطنية للهجرة واللجوء كتمكين المهاجرين من الحق في الصحة والتعليم والتكوين المهني، ومن جهة أخرى تعزيز المراقبة في السواحل الشمالية والجنوبية للمملكة، مما ساهم في تقليص محاولات الهجرة غير النظامية”.
وشدد المتحدث على أن “التعزيزات الأمنية المغربية في مدن الشمال تفند الادعاءات الخارجية والأطاريح المنتصرة لفكرة كون المغرب يوظف معطى الهجرة غير النظامية كورقة ضغط، إذ في هذا الإطار يمكن اعتبار تحميل المغرب مسؤولية حدث وصول بعض المهاجرين إلى سواحل سبتة مؤخرا، هو تحميله مسؤولية ظاهرة مناخية متمثلة في الضباب الكثيف”.
الخبير في الهجرة والتنمية سجل كذلك أن “الخطوة الأمنية المغربية تبقى استباقية تتماشى وجاهزية القائمين على مراقبة السواحل المغربية، وتُحيلنا على التتبع الآني والدقيق للأجهزة الأمنية المغربية لكل مستجدات محاولات الهجرة غير النظامية، بما يسقط اتهام بعض الأحزاب السياسية الإسبانية المغرب بتوظيف الهجرة كورقة ضغط”.